قراءة جديدة لسنوات الانتفاضة الاولى
سنين الغضب ....وكلام الحجر واستحقاق ظل غائبا وقاد الى انتفاضة ثانية
الكتاب:
سنين الغضب: كلام الحجر
المؤلف: محمود الخطيب
الناشر: وينغ انترناشيونال سنتر 2008 - كندا
توقيت مناسب وذات مغزى، ينطوي عليه اصدار المؤلف لكتابه الجديدهذا ،ليس فقط لأن الفلسطينيون يحيون هذه الايام ذكرى النكبة في ظل احتفال إسرائيل الصاخب بذكرى تأسيسها، بل أيضا لأن المشروع الفلسطيني بأكمله يشهد الان انعطافا مصيريا بسبب السياسات الإسرائيلية والوضع الفلسطيني الصعب ووجهة التطورات الاقليمية الخطيرة.
في تناول الكاتب لسنوات ما قبل الانتفاضة الاولي ثم التوقف عند تفاصيلها ومحاولة الفلسطينيين استثمارها لبناء دولتهم المستقلة ، محاولة من الكاتب ومن خلال تجربته في المؤسسات الاعلامية والبحثية الفلسطينية الطويلة ،القاء النظر على مرحلة حافلة في التاريخ السياسي والنضالي الفلسطيني و طرح مقاربة تفيد القارئ وصانع القرار الفلسطيني.
يركز الخطيب في الجزء الاول من كتابه على اوضاع الفلسطينيين تحت الاحتلال عارضا النواحي الاجتماعية ،الاقتصادية ،الصحية ،الثقافية والتعليمية . يستعرض سياسات الاستعمار الاقتصادية الإسرائيلية ويعرض أحوال القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية وفي مجالات العمل والنقابات.
في توضيح لحال الوضع الفلسطيني عشية الانتفاضة، يتوقف المؤلف عند الانتخابات الفلسطينية المحلية عام 1976 وسياسات حزب الليكود وما تبع ذلك من تطورات سياسية، خاصة اتفاقية كامب ديفد التي اعتبرتها إسرائيل لفترة طويلة، اساسا للتعامل مع القضية الفلسطينية.
في الجزء الثاني وعلى مدى ثلاثه فصول، تناول الكاتب تركيبة الانتفاضة وقياداتها مشيرا الى سياسات الاعنف وردود فعل إسرائيل . في فصل مطول اخر يستعرض الكاتب السياسات المحلية الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية وعلى نحو خاص، سياسات واشنطن و موسكو ودول الاتحاد الأوروبي وما أدت اليه الانتفاضة من مبادرات لحل الصراع مع إسرائيل.
يثبت الخطيب في المقدمة أن الانتفاضة التى انفجرت في التاسع من ديسمبر عام 1987، كانت التحرك الرابع الرئيسي في التاريخ الفلسطيني المعاصر.. منذ الثورة ضد الاحتلال البريطاني عام 1936، وأنها كانت نتيجة لاحتلال إسرائيل باقي الأراضي الفلسطينية في حرب عام 1967 وسياساتها الهادفة الىالقضاء على الوطنية الفلسطينية وطموح الاستقلال . سياسات لامست كل جوانب الحياة الفلسطينية وأدت الى الاحباط وثم الانفجار.
يشير الكاتب في السياق الى إصدار الحكم العسكري الإسرائيلي ما يزيد على 1200 قرار إداري بصيغة الاوامر العسكرية ، تثبت السيطرة الاسرائيلية في المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية - فرض مناهج تناسب ايدلوجية المحتل - وتشكل جزءا يسيرا في إطار سياسات إسرائيلية شاملة، تهدف الى تخريب التطور الفلسطيني الاجتماعي وأهمال القطاع العام والبنى التحتية والتدخل في أنشطة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ومحاولة رسم سياساتها وتوجهاتها.
في السياق يستعرض المؤلف سياسات مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات في وقت مبكر- عبر طرق عديدة مثل مصادرة أراضي الغائبين وأراضي الدولة وأملاك الاردنيين ولأغراض شق الطرق والمناطق الامنية- وما قادت اليه هذه السياسات من مصادرة اراض شكلت عام 1997واستنادا الى مصادر اسرائيلية، نسبة 52 في المائة من مجمل مساحة الاراضي التي أحتلت عام 1967، يخضع منها نسبة 11 في المائة الى الأوامر العسكرة.
رافق ذلك سياسات مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في بناء مستوطتات تهدف الى عزل التجمعات السكانية الفلسطينية عن بعضعا وحصرها في كتل جغرافية واقتصادية متناثرة وبالتالي منع إقامة دولة فلسطينية حقيقية.
على الصعيد السياسي عملت إسرائيل على ابعاد منظمة التحرير الفلسطينية بكل الوسائل وحاولت إحلال الاردن بدل المنظمة وعبر المتعاونين المحليين والوكلاء العرب. وتواصلت هذه السياسات عشية اتفاقية كامب ديفد بين مصر واسرائيل واستمرت رغم الفشل المتلاحق وما أصاب العلاقات الاردنية الفلسطينية من صعود وهبوط، حتي انفجرت الانتفاضة وفرضت المنظمة بقيادة عرفات ممثلا للشعب الفلسطيني لا يمكن تجاوزه. ومع أستمرار الانتفاضة ترسخ التمثيل الفلسطيني وفاوض الفلسطينييون في مدريد ثم سرا في اوسلو وهو ما قاد الى اتفاق اوسلو علم 1993.
يساعد الفصلين الأخيرين من الكتاب على فهم السياسة الإسرائيلية الراهنة في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية السرية منها والعلنية، والإصرار على محاولة الإنفراد في الجانب الفلسطيني ودون الاستناد الى قرارات الامم المتحدة ذات الصلة او مساهمة مجلس الامن في اي جهد حقيقي لحل الصراع.
حاول الرئيس عرفات مبكرا قطف ثمار الانتفاضة سياسيا، وبادر الى طرح مبادرة فلسطينية تقترح خارطة طريق لحل الصراع وأنهاء الاحتلال. وفي خطاب استغرق ثمانين دقيقة امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1988، إقترح الزعيم الفلسطيني وضع الأراضي الفلسطينية تحت إشراف الامم المتحدة وتشكيل لجنة تشرف على التحضير لمؤتمر سلام دولي ينعقد على اساس قراري مجلس 224 و338
رفض اسحق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي ذلك الوقت، المقترح الفلسطيني بعد ساعتين من عرضه، وتقدم بعد اربعة شهور بمبادرة إقترح فيها إجراء انتخاب قيادات محلية والعودة الىمقترح الحكم الذاتي الوارد في اتفاقية كامب ديفد مؤكدا ان المسألة تتعلق بإدارة السكان وليس الاراضي محاولا ترتيب ادارة وتقاسم ذلك مع الاردن.
مصر بدورها قدمك مقترحات تتقاطع مع المقترحات الفلسطينية والاسرائيلية. ولكن السياسة الامريكية في عهد الرئيس جورج بوش بادرت الى التحرك بعد حرب الخليج الاولى وقدم جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي السابق خطة من خمس نقاط ادت الى عقد مؤتمر مدريد على اساس 242 و338. وبعد سنتين من المفاوضات غير المجدية تبين ان المفاوصات الحقيقية مع الجانب الفلسطيني،كانت تجري عبر قنوات سرية قادها كل من الرئيس الحالي ابو مازن والمسؤول الكبير في فتح احمد قريع وباشراف من الرئيس المرحوم ياسر عرفات وانتهت باتفاق اوسلو في ديسمبر 1993 .
يحيي الفلسطينييون في هذه الأيام الذكرى الستون للنكبة من دون افق يتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين وكذلك دون الاقتراب من هدف اقامة الدولة الفلسطينية، الهدف المركزي للشعب الفلسطيني، بل إن السياسات الإسرائيلية قضت وبعد عقد ونصف من اتفاق اوسلو ومحاولة اخرى لحل الصراع في كامب ديفد الثاني عام 2000 في عهد الرئيس السابق بل كلينتون، وكما يرى كثير من المراقبين ،على إمكانية إقامة دولة مستقلة حقيقية خارج إطار التصورات الإسرائيلية ويلبي الحد الادنى من الثوابت و المتطلبات الفلسطينية. مما يقلل فرص التوصل الى حل مقبول في الوقت الراهن وهذا دفع كثيرين الى البحث عن خيارات أخرى اهمها العودة الى خيار الدولة الديوقراطية أو الفيدرالية...
كتاب الاديب الفلسطيني محمود الخطيب، الذي شغل مراكز مهمة في الاعلام الفلسطيني-فلسطين الثروة- وعاصر تجارب الثورة في بيروت وطرابلس وعمل في قبرص بعد 1983 كمديرتحرير لمجلة شؤون فلسطينية، يقدم –كما يقول ويأمل- " شيء من نضال شعبنا الفلسطيني ".
أهمية الكتاب تكمن في التحليل والمادة الموثقة التي يضعها الكاتب بوضوح وعمق بين يدي القاريء والكادر الفلسطيني والعربي والقارىء والمتابع الأجنبي ، في وقت حرج يشهد فيه مشروع الحركة الوطنية الفلسطينية الذي قادته المنظمة مصاعب جمة لا تقل عنها على الطرف الاخر، ما تواجهه سياسات إسرائيل من مأزق خطير
ينذر بتطورات خطيرة وخيارات مختلفة.